کد مطلب:306568 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:168

الثعلب الناصح


وها هو شیخ بنی اُمیّة جالس حیال امیرالمؤمنین حاملاً معه آماله التی آنَ اَوانها، و اوشك حلمه (فی ظنه) ان یتحقق فی العودة الی ماضیه و عزته المفقودة فی الاسلام اذ یقول:

- (یا اباالحسن اما واللَّه لئن شئت لاملائها علی ابی فضیل خیلاً و رجلاً و لاسدنها علیه من اقطارها..).

فنظر الیه الوصی بعینیه الحزینتین، و بصوت صارم اجاب:

- (یا اباسفیان.. هذا ماء آجن، و لقمة یغص بها آكلها).

فبان العجب بوجه الشیخ و هو یكرر:- (ماء آجن!!.. اتراث ابن عمك یا اباالحسن تدعه نهباً).

فأجاب امیرالمؤمنین علی الفور:

- (مجتنی الثمرة لغیر وقت ایناعها كالزارع بغیر ارضه).


فراح الشیخ یشدد و یوالی التحریض و قد احمرت عیناه و هو یقول:

- (یا عجباً! اَرضیتم یا بنی عبدمناف ان یغلبكم علیها اذل بیت فی قریش؟).

- (ما رضیت بل صبرت و فی العین قذی، و فی الحلق شجا).

فملئت الدهشة نفس الرجل و اخذ یقول متلكئاً باحرف كلماته:

- (اذن یتحدث الناس) فما ان سمع علی هذه الكلمات و ان الرجل قد اشرك الناس و شماتتهم لم یطق صبراً. (لأن علیاً ما یری فی الخلافة الا وسیلة لغایة یرتجیها و انه مؤمن انها حقه و هو اولی الناس بها فاذا هم خرجوا بالحق الی غیر اهله فهذا خطأ منهم علیهم وزره، حسابهم عنه اللَّه.

اجل فهم الوصی ما یرمی الیه شیخ بنی امیّة، فأنّه تلمیذ محمد صلی اللَّه علیه و آله و سلم و باب علمه الذی طالما افسد علی اعداء الاسلام خططهم و مؤامراتهم، فكیف تنطلی علیه مثل هذه المؤامرة التی ترید ان تحط بالاسلام فی هوة، و ترفع بالجاهلیة الی حیث ما كانت علیه قبلاً، فأرتسمت صورة غضب فائرة علی جبین اباالحسن و تصرم صوته و كأنه زلزل وطأة الرجل من تحته حینما قال:

- (ویح الناس!.. ان اقل ما یقولون حرص علی الملك، و ان أسكت یقولوا جزع من الموت؟.. اما واللَّه لان ابی طالب آنس بالموت من الطفل بثدی أمه)!!

ثم صمت برهة و قد رفع برأسه نحو السماء ثم عاد یتم بصوت هادئ النبرات حازم التوكید:

- (یا اباحنظلة انی اسدلت دونها ثوباً و طویت عنها كشحاً، و رایت الصبر علی هذا احجی..) ثم زجره و قال:- (انك واللَّه ما اردت بهذا إلا الفتنة و انك واللَّه طالما بغیت الاسلام شراً، لا حاجة لنا فی نصیحتك).

و لم یكن شیخ بنی اُمیة الاول فی التحریض بل كان آخرون من الاصحاب قد حرضوا الوصی علی النصرة والبیعة..

اجل مولاتی یا زهراء صبر علی و خابت امانی الساعین الذین ارادوا النیل من


الاسلام.. فهنیاً لهذا الدین الذی رای فیكم اُمنیته، و هنیئاً للسائرین علی دربكم فی التضحیة و الایثار.. فقد حار المؤرخون عن ای موقف یصفون فیخلدون، و حقاً للتاریخ ان یملأ صفحاته بعبقكم و ان ینیر اسطره بمناقبكم.. و سجلته اقلام الكتّاب المخلصون و من ایّ مذهب كانوا [1] .



[1] فهذا الاستاذ (عبدالفتاح) و هو من علماء السنة، يصف في تاريخه هذا الموقف العظيم اذ يقول: بالحرف:

(انف علي بهد هدا ان يعاود الكلام في شأن البيعة التي سبقه اليها شيخ بني تيم او يختل في امرها الي الناس. وانطوي ثانية علي نفسه في داره، رفيقه فيها كتاب اللَّه يعمل ما وسعه في جمع شتاته ان يغيب عنه. و قد وجد في القرآن خبر مسلاة له عما هو فيه، فأقبل عليه بكل ذهنه يجمعه و يضم آياته الكريمة وادتها الي الاخري. ولكن بيته لم يزل الكعبة التي يؤمها الذين آثروا الانحياز اليه و أبوا ان تميل قلوبهم عنه الي ابي بكر، فلم يخل يوماً من الزبير او ابي ذر او المقداد و من تابعهم من صحابهم علي الرأي، يجتمعون ثم ينفضون فلا يدفعه اجتماعهم الي الامام خطوة و لا يرده انفضاضهم خطوة، بل ظل مقيماً علي ما اخذ به نفسه من اعتزال الناس و اعتزال الامر كله بعد ما اصبح لأبي بكر و بعد ما شاهد من حيرة النفوس بين حقه و بين ما سلف منها الي غريمه من الادلاء بالسلطان. و لقد كانت الانباء تأتيه تتري من الخارج عما اخذ يفور بصدور الانصار من الندم فكان لا يحرك لها ساكنا و لا يلقي اليها بالاً، و لا يعني بأن يتقصاها او يعمل علي اذكاء الندم لينقلب فتنة او ينقلب ثورة يفيد من ورائها مافاته. و لقد مشي اليه اناس يحاولون حمله علي المطالبة بحقه المسلوب و يعرضون ان يؤازروه في الدعوة اليه او في نصره فما كانوا يصيبون منه تلبية النداء..) بلاغات النساء 19- 20، و فدك للجوهري- شرح النهج ص 210 ج 12 و غيرها.